سمية سيد تكتب..البرهان حديث الشفافية والانتصار (1)
كنت ضمن أربعة صحافيين في أول حوار صحفي للفريق البرهان بعد توليه رئاسة المجلس العسكري في أبريل من العام 2019 . ذلك الحوار الذي أداره باقتدار زميلنا الاستاذ ضياء الدين بلال رئيس تحرير صحيفة السوداني في حديقة القصر الجمهوري .
وقتها كان الحديث حول السياسة والاقتصاد ومعاش الناس دون اي تركيز على الجوانب العسكرية عدا جريمة فض الاعتصام والالتزام بخروج الجيش من الحياة السياسية ليتولى الحكم عناصر مدنية ويتفرغ الجيش لمهامه المعروفة .
وقتها تحدث البرهان حديث الزاهد عن السلطة .. حديث الذي جهز حقائبه لمغادرة القصر والقيادة العامة ..
ونحن الان في الاسبوع قبل الاخير من اغسطس 2024 لاشيء يمكن ان نناقش فيه الرجل في لقائنا معه بمقر إقامته المؤقت بمدينة بورتسودان غير الشأن العسكري.
التقيناه نحن مجموعة من الصحافيين السودانيين قادمين من مقر إقامتنا الاضطراري بجمهورية مصر مع زملاء من صحف وقنوات فضائية مصرية . برغم علامات الارتياح التي ظهرت على ملامحه والترحاب السوداني الأصيل بنا غير ان الهم العام و الأرق الذي يبدو على وجهه وحجّم مسئولية الحرب وانتظار نهاياتها خصمت من عمر الجنرال عبد الفتاح البرهان وبدا لي وكأنني التقيته المرة الاولى قبل اكثر من عشرين عاما.
بدأ البرهان حديثه بإحاطة الوفد ببداية اندلاع الحرب . قد يرى البعض ان تفاصيل الرواية محفورة في ذهن 40 مليون سوداني ، ولاحاجة في تضيع دقائق معدودة من الوقت المخصص لنا . او هكذا كان رائي أنا شخصيا ، لكن عندما بدأ البرهان في السرد لاحظت ان الجميع كأن ينصت باهتمام خاصة الوفد المصري ولا استثنى نفسي من متابعة كل كلمة كان يتفوه بها ، ببساطة لان اي كلمة او عبارة تجعلك تبحث عن ما ورائها من مؤامرات مدبرة ضد السودان.
مؤامرات داخلية كبيرة ومؤامرات خارجية اكبر واخبث من اي توقعات يمكن ان يتخيلها الانسان مهما أؤتي من ذكاء ومعرفة في الشأن السياسي والعسكري .
الاعلام المضلل سواء التابع لمليشيا الدعم السريع او التابع للدول الداعمة او التابع للظهير السياسي عمل ولازال يعمل على تغبيش الحقائق وتشويش الصورة ليحدث الشكوك ويزرع الفتنة وسط الشعب السوداني لاطالة امد الحرب وهو يصور كل تلك الفظائع والكوارث الانساني التي ارتكبتها مليشيا الدعم السريع بانها حرب جنرالين في الجيش من اجل السلطة وانه صراع كرسي قيادة الدولة السودانية .. لكن الحقيقة المؤكدة التي تلمستها خلال اللقاء ان البرهان لازال عند العهد والالتزام الذي ذكره لنا في حوارنا الاول معه قبل خمس سنوات .. وهو عدم تمسكه بالسلطة وانه سيغادر موقعه بعد ان تضع الحرب اوزارها وتاتي سلطة مدنية مؤهلة ..
لكن السؤال المهم هل التوقيت مناسب للانسحاب في هذا الظرف الكارثي؟
الهموم التي تظهر على وجه البرهان قد تظهره وكانه يستعجل الظروف التي تقوده إلى مغادرة كرسي مصنوع من صفيح ساخن . لكن طريقة الحديث القوي جدا ، والقرارات المصيرية التي يتخذها في قيادة معركة كرامة الشعب السوداني تؤكد لك انك امام شخص لا يهادن ولا ينتظر فرص الانسحاب الامن بما يبعده عن اي مخاطر متوقعة.
تلمست من حديثه الذي سوف اكتب عنه بالتفصيل طاقة جبارة في مقاومة العدو ومحاربته بكل الأسلحة. مثلما لاحظت الإصرار على رد الاعتداء الغاشم الذي تعرضت له بلادنا . واصراره على المحافظة على سيادة الدولة السودانية وعلى سلامة المواطنيين ومحاولة إبعادهم عن الخطر مهما كان ذلك ممكنا وهو ما يفسر لنا ما نراه نحن المدنيين بطئا في العمليات العسكرية.
خلال اللقاء ارسل رئيس المجلس السيادي عدة رسائل مهمة للداخل وايضاً للخارج ورسائل اهم لمليشيا الدعم السريع
كانت رسالته للداخل بضرورة المحافظة على ممسكات الوحدة الوطنية للشعب السوداني وعدم تشتيت الجهود فيما يخدم الحرب على المجرمين الذين اعتدوا على الوطن وشردوا اهله
للدول التي دعمت المليشيا ارسل البرهان رسائله بان الظلم الذي اذاقوه للشعب السوداني سيدق أبوابهم قريبا ولن تحميهم أموالهم وان التاريخ لن يرحم بعد ان وقفوا في الاتجاه الخطا .
لمليشيا ال دقلو والقوى السياسية السودانية التي تماهت معها كانت رسالة القائد العام للقوات المسلحة واضحة وضوح الشمس .. لن تروا راحة بال بعد اليوم لا من القوات المسلحة التي أقسمت ان تنظيف الوطن من أدران مليشيا الدعم السريع . ولا من الشعب السوداني الذي لن يقبل باي شرعنة تعيد المليشيا إلى ما قبل 15 أبريل لا عسكريا ولا سياسيا ولا اقتصاديا. اما القوى السياسية التي وقفت معها فكانت الرسالة .. بأنكم لن تجدوا مواطن سوداني يقدم لكم السند الشعبي وانتم تحاولون تنظيف صحائف قاتلي ابنائهم ومنتهكي عروضهم .