منتصر الرشيد يكتب..كرمكول في الواجهة
قرية الإبداع والجمال تربط حاضرها بماضيها وتعود الى واجهة العمل الطوعي من بابه الواسع وذلك بقيام منظمة الطيب صالح للثقافة والتنمية المستدامة ..
وهي منظمة طوعية خدمية اسست بقرية كرمكول مسقط رأس الاديب والروائي العالمي بتاريخ التاسعة صباح الاربعاء ٢٤ ابريل ٢٠٢٤م .
وتقول رواية كرمكول أن كان للحرب مساوي فأن لها زوايا أخرى اكثر اشراقاً والقاً .
ومن بين زواياها أطلت لنا فكرة المنظمة الوليدة بأسنانها وافكارها
فكانت الانطلاقة التاريخية للمنظمة من منزل الحاج علوب عبدالرحمن رحمه الله بكرمكول .
فمثلما أستقبل الحاج علوب عبدالرحمن الاديب الطيب صالح بديوانه العتيق في ستينيات القرن الماضي بدعوة غذا شهي هاهو التاريخ يعيد نفسه ليستقبل منزله بكرمكول قيام منظمة الطيب صالح للثقافة والتنمية المستدامة .
وأن رحل صاحب الدار عن دنيانا فان الكرم لا يرحل فقد نال الشرف أبنائه د.محمد علوب
والنور علوب وقريبهم وصديق الأسرة عبدالمنعم عبدالباسط ( الباسطاب) والخبير د. عمر محمد زين وابن الحماداب وكرمكول
ا. منتصر الرشيد
وهم يتفاكرون ليلاً ونهار لتفعيل الحراك وتحريك السكون الاجتماعي بالقرية .
لتعلو بعدها وتصدح أصوات المساجد وزوايا عموم كرمكول وناديها العريق اتحاد كرمكول حاضناً للمنظمة بقيادة رئيسه علا الدين هليس والذي فتح قلبه وأبواب النادي للمنظمة مبشراُ بحراك اجتماعي جامع .
فأكتمل الحدث الأول بالقرية بقيام الجمعية العمومية للمنظمة بنادي الاتحاد كرمكول الأصفر والأسود ليتم انتخاب ضباط المكتب التنفيذي للمنظمة في اجواء من الشورى وحرية الاختيار ووقع الاختيار على
١/ د.عمر محمد زين
رئيس للمنظمة
٢/ ا. منتصر الرشيد
مكتب السكرتارية
٣/ النور علوب
امين المال
فكان قيام الجمعية حدث حافل بالحراك حضره الأديب الراحل الطيب صالح بحسه الادبي واجتمع أهل القرية يتقدمهم الشيوخ والاعيان
فحضر الشيخ عبدالرازق جمعة ، والشيخ بخيت البكري والشيخ يس والشيخ اسماعيل مكي والعم سليمان بخيت العبيد وعدد كبير من الرجال والنساء والشباب والصغار يزين حضورهم الأنيق مندوبة مفوضية العون الإنساني ا. كوثر فقير .
متابعاً لها من اهل القرية م. حسن حاج الماحي لتنسيق الإجراءات الادارية والفنية بصبر ومثابرة حتى إستلام شهادة المنظمة لممارسة النشاط الطوعي .
وبدأت المنصة بعملها بقيادة المندوبة وأركان المنصة الطيب المجزوب ومن خلفه شيخ عبدالرحيم
ومن أمامهم كاميرا تلفزيون الولاية الشمالية في إدارة الجمعية العمومية للحدث الفريد والجميع يكسوهم الوقار و النظام فكان الصمت في بداية الجمعية سيد للموقف وكأنها رهبة الأديب ثم انسابت مراسم الجمعية بسلاسة النيل في جريانه في غير أيام الدميرة ولسان حالهم يقول كرمكول أولى بأسم ابنها الطيب صالح المنشاوي .
وقد تعودنا عندما يذكر أهل السودان الطيب صالح فأنهم يسافرون في موسم الهجرة إلى الشمال ليتنسموا عبق اريجه وظلال نخيله وقرير طينه
ولعل الهجرة اليوم كان لها سمت اخر فجعلتها الحرب ضرورة للبقاء والنجاة فكان مزمار النائي يطرب نحو قرى الشمال فمن كانت هجرتهم الى قرية كرمكول شمالاً احدى قرى محلية الدبة
فأنها قد استقبلتهم بكرمها المعطون بلفحات السموم وحر الصيف وما ادراك ما صيف الشمال فترى الوافدين من الخرطوم ينظرون ذات اليمين وذات اليسار وكأنهم يبحثون عن ظلال ( دومة ود حامد) لعلها تذهب عنهم حر الشمس و تعب الحرب وويلاتها فيخلدون في قيلولة الظهيرة ، وعند مغيب الشمس الحارقة يتزينون بزينتهم وعطورهم وكأن الجميع ذاهب الى ( عرس الزين ) ليبارك ويهنيء يسامرون الليل حيث يميل الطقس ليلاً للبرودة فيذهب عنهم حر النهار ولهيبه وكأنها استراحة محارب ثم يخلدون للنوم بحضن ( مريود )
وبين هذا وذاك
تزاحم الصحراء الكبرى برمالها التي تميل الى لون الذهب تزاحم النيل في مجراه عند المنحنى بكرمكول وهو يرفض بعناده التخلي عن مجراه وربما يجرف بهدوء بعض من طين السواقي قرباناً للصحراء لترضى وكأنه صراع التاريخ والجغرافيا بين النيل والصحراء .
ثم يطلع عليهم القمر ليلة الاكتمال ليصور ويوثق المشهد وكأنه شاهد الملك الوحيد يصور من أعلى لا تحجبه احياناً سوى ناطحات من اشجار النخيل لتتشكل لوحة الالهام والابداع في نفوس الكتاب والشعراء ويلوح للناظر تاريخ من الإرث والثراث والادب المنقوش بعبقرية الاديب الطيب صالح تنبع من هنا !
هنا كرمكول
سحر المكان وجوف التاريخ وخزينة الأدب بجمال انسانها بجروفها وسواقيها
والنيل يضع عندها بصمته الفريدة بمنحناه حتى عرفت كرمكول بمنحنى النيل فيرسم نيلها لوحة لا تتكرر في جمال المنظر ودهشة المكان وكأنه يكرم الأرض التي خرج من طينها عبقري الرواية والادب .
فيعانقها النيل بعناق الاحبة وشوق المهاجر لاهله ثم يودعها ويسافر شمالاً وهو في طريقه نحو الشقيقة مصر من أجل إكمال رحلته نحو المصب عند الابيض المتوسط
في رحلة الصمود من أجل الحياة والبقاء والاستمرار
ليترك انسان كرمكول
بين أصوات البوابير
وصمد السواقي
وطائر القيردون
واصوات القطاء
وحقول الفول
وسنابل القمح بلونها الذهبي
وبين جناين المانجو والبرتقال وغابات النخيل يترك كل ذلك النيل مودعاً على آمل ان يعود محملاً بالخير
وكما ودعها ود صالح من قبل في موسم هجرته لبلاد الفرنجة ثم عاد إليها محملاً بالعلم والمعرفة ومسلحاً بالثقافة والادب والفنون محافظاً على إرث الآباء والاجداد فعرف حراكه الادبي كل العالم واضعاً كرمكول في واجهة المعرفة الادبية .
ولعل الحراك الفكري وكرمكول والابداع وجهان للتفرد والتميز والعطاء
وها هي كرمكول تحول محنة الحرب لمنحة لها بحدوث تزواج فريد بين العقول التي حضرت إليها من عاصمة النيلين الخرطوم هرباً من نار الحرب وبين من تربوا بين أحضانها عند المنحنى لينتج عن هذا التزاوج المعرفي والنتاغم النفسي فكرة تأسيس المنظمة ولسان حالها يقول لا تحلو الواجهه الا بعودتي إليها وانا أولى بأبني الطيب صالح المنشاوي .