دهاليز…علي مهدي …أدوار الفنون في بناء المشهد الوطني من داراندوكا جنينة السلطان
السلام وإشارات التنمية المُستدامة تتحقّق بالحوار البنّاء، الرافض للعصبية، والناكر بشدة للعنصرية والجهوية والقبلية
المشي على الأقدام من أجل إيقاف العنف ومُناهضة النزاعات، تجارب ناجحات، أوقفت إطلاق النار من أجل الأطفال زمن الاقتتال
في الخاص، عشق الحروف والقلم والأوراق يفضي لدهاليز مغايرة منها راهن ننتظره بفرح واستذكار لأيام غنية بالود وأكثر
عدت يا سادتي (لدهاليزي)، بعد أيام، أسابيع، وخشيت الانقطاع، وهي حالات تمر بي مرة وأخرى. ولسنوات، كنت حريصاً وباجتهاد لتظل جسور الدهاليز تبني الود بيتاً فبيت، بطوابق من نور، وسراديب من فضة، تزين العتبات فتحات صافية، تطل منها إذا نظرت ثم أطلت النظر وفي تمعن، تلمح خيول الوادي الفتية، ترمح في جلال ومهابة، تناديها فتجيب، (لبيك نورك بين يديك). وتمشي في تدرج فضاء الوسيعة، لا يحد امتدادك شيء، انت في شأن، ما عندك في تلاوات الظهيرة، وهي غير بعيدة عنها الصباحات البهية، ما عندك يكفي لمساء الجبال الشاهدات، مهما امتدت في فضاء الكون الممكن، وكبرت وارتهن الوقت لها زمامها الخاص، انت تغطيها، انت في كل حالة تلبس ما تختاره، وبلا تردد، تحيل المشهد كما ترجو وتعشق. هذه تصاوير الدهليز يوم فرعته أول مرة، كانت حكاية قصيرة، ورقة اكتبها من موقعي، وكنت أميناً عاماً للفنانين العرب، وتلك دورتي الأولى بالانتخاب الحر المباشر من ممثلي المراكز القطرية العربية بإجماعهم، وقد عملت قبلها أميناً عاماً مساعدا، اقتربت في دورة التأسيس تلك من مشاهد الثقافة والفنون والإعلام العربية، وصنعت للكيان الوحدوي العربي الجديد، فرص التواصل فيها مع جموع المبدعين العرب، واهمها مع أصحاب المعالي الوزراء المسؤولين عن الشؤون الثقافية والإعلام العربي، وأحضر معهم وأشارك في اجتماعات مجلسهم الموقر، ترتب له وتنظمه المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الاليسكو). ومكتبي الفسيح يحرس كل الطابق الثالث في المبنى رقم ( 17) على شارع قصر النيل الفهيم. والقاهرة خواتيم ثمانينات القرن الماضي، فيها ما فيها من حوارات الفكر والثقافة والفنون. وعلوم الفن ايامها تنهض بالعمل المشترك، تسعى لتوحيد امة العرب، أقلها في خطاب المعارف، وإظهار حُسن النوايا. وقد تقسم العالم وقتها بين تيارات ما تحدها حدود، أو فيها تفاصيل. وحوارات السلام كما أيامنا هذه، أعني حوارنا القطري من أجل مناهضة العنف، كل أشكال العنف المفضي للفوضى. وتعبيري يتبع تفُكري الناظر بكثير من التقدير لأدوار حققنا بها مشاوير في سعي صادق للبناء في المشهد الوطني. واعود لتلك التصاوير من المشهد الإبداعي العربي وانتقل بين مكتبي فيها، دمشق الجميلة المؤثرة، وادوارها المعلومة. والقاهرة بحسنها ورقة مبدعيها، واتساع افق أحلام مبدعيها، وحواري مع الدولة المستضيفة لمقر اتحاد الفنانين العرب مصر يا أخت بلادي يا شقيقة متصل، وممتد والعواصم العربية، وفي كل اتجاهات الجغرافيا العربية والثقافية، وما كان لي يومها إلا أن أعبر بالحد الأدنى عنها تلك التقاطعات، تلين تارة، وأوقات لا ينفع فيها سفر أو حوار مع قيادات الدول، تكون في أهلي مستوى الحدة إن لم تلمح فيها إشارات عنف. ادخل المدائن العربية، اللبس الف الف سترة، لكن ما فيها واق من الرصاص، نجحت سنواتي الأولى، ان احُسن حديث الود، فذاك كان باب نجاة وخلاص منها تقاطعات اختلافات السياسة لا السياسات.
ويومها كانت المنظمة الدولية للفرنكوفونية تنظم مؤتمرًا عن الثقافة وإطاراتها الإقليمية. وطلبني يومها الراحل معالي الأمين العام لها (بطرس غالي) عليه الرحمة، وكان وقد كلف بها بعد خروجه المبكر من وكالة الأمم المتحدة وتلك حكاية. التقينا في القاهرة، وفي حضرة الصديق معالي وزير الثقافة المصري الفنان الملون (فاروق حسني)، نشهد افتتاح معرض فني غير بعيد عن مكتبي، وجلسنا بعدها في المقهى الأشهر (جروبي) على تقاطع شارعنا والإشارات هنا إلى دوره المعلوم، ولم اكتب بعد عنه وعن تلك الفترة في زمان الفن الجميل، ومكتبي الوسيع والفسيح بأهله والزوار من أنحاء الوطن العربي الكبير وقتها ولو بالقدر المستطاع. في جلستنا تلك طلب الراحل (بطرس غالي) أن أكتب ورقة عن الإنتاج الثقافي العربي في ظل تلك الأيام المباركة بالقدر المستطاع، وان اشهد معهم الملتقى في (بيروت) رغم انني لست (فرانكوفونياً)، لكن لديه جولة علاقات دولية عبر مداخل الفنون والثقافة، وهو وقتها يجدد في المنظمة وهي واحدة من اهم المنظمات الدولية، وكان انشغالي تلك السنوات الأولى لي في مسيرة العمل المشترك الإقليمي وفي القاهرة قلب الفن العربي ومصدر الإشعاع الثقافي، خاصة وانا قادم من أوساط الفنون الوطنية السودانية بذاك البهاء والإنتاجات المغايرة. ومن البقعة المباركة. والسعي عندي ان يكون اتحاد الفنانين العرب حاضراً في تلك الأوقات وعالمنا العربي فيه ما فيه من تقاطعات وكيف استطاع الفن والفنانون ان يرفعوا الرايات العربية في أيام غابت عنها مباني السفارات العربية يومها، وكانت الفكرة في إنشاء الاتحاد للفنانين العرب إصحاح الأجواء، ويبني علاقات أوسع من الإقليم.
وكتبت الورقة، ويومها (الخرطوم) الجريدة تصدر من القاهرة، والراحلان الشاعر فضل الله محمد واستاذي السر قدور، جالسان فيها بفكرهما المستنير مع الاتقان والشعر والأدب الجليل، والحبيب الشقيق الباقر أحمد عبد الله يدير الامر بصبر مع الفرح، وتتحول ورقتي تلك لأول مقال طويل لي يُنشر، نعم وكنت قد اجلستها على عنوان: (في دهاليز الثقافة والسياسة العربية)، وكنت قد اقتربت من دهاليز السياسة القومية العربية، نعم زرت وقتها العواصم، التقي أصحاب الجلالة الملوك والأمراء، وأصحاب الفخامة الرؤساء، وأصحاب المعالي الوزراء، وقيادات الإدارات والمؤسسات الحكومية، والخاصة، ومنظمات الفنانين باختلاف أشكالها التنظيمية، نقابات واتحادات وجمعيات، وما يشكل منهم تجمع، يسهم في الترقية والتطوير لا للفنون فحسب، ولكن في تفاصيل المجتمعات العربية ونزوعها نحو الاختصام والفرقة، وسعرها أعلى وأغلى تلك الأيام.
وكنت اعتقد وصادق الآن، ان الفنون اقدر على إعادة بناء المجتمعات، رغم ما فيها من تشاحن، وتلك كانت الصورة عندي، وهي تثق في كونها ممكنة الآن.
فقلت بعد مشاهدة واحد من أكثر صور العصر عنفاً وبعداً عنها الإنسانية، وحتى قالوا في القتل الموت الرحيم، لا رحمة مع سلب الإنسان من فرص الحياة الممكنة مع تعقيداتها، ولكني في تلك العتمة وظلمة الصورة المتحركة، جاءت الفكرة المستعادة. لماذا لا نوقف العنف؟ كل أشكال العنف المفضي للفوضى، وتسبق توحش اللغة الغنية بمعاني الإخوة وقدرتها على منح الآخر البعيد التلاقي الممكن. وصمت غيري وقتها، وقلت لتقف رياح القتل اللعينة بين الناس في (بحر أزرق)، والتعبير من عندي دون الإشارة إلى أسماء المدائن، خالدات في صور الحكايات القديمة عنها، فكيف الطريق إليها؟ تحرسه ملائكة الرحمة والمغفرة والقبول، وفي نظرة أخرى تعيق المشاوير إليها المدن المنكوبة، والموت لا يُفرِْق بين الناس والناس. فكيف السبيل إلى إيقاف المذبحة غير المربحة؟ ولكن بين تلك وهذه المشاوير ممكنة، وغير ذلك، وما ان قلت قولي الصادق فيه، حتى وجد القول، لا من عندي، من خيالاتي بتواريخ المشاوير القديمة. يوم مشينا من مدينة (مدني) إلى (الخرطوم) عموم، ننشد أصحاب البنادق والمشجعين عليها الحرب اللعينة، نعم طلبنا إيقاف ضرب النار لأيام، تتمكن فيه فرق التطعيم لإكمال مشاويرها، واللحاق بالأطفال في كل أنحاء الوطن، وأهمها مواقع القتال والمعارك.
فقالوا نعم نعم نعم بالآلاف.
نعم من الأمهات ومن الأهالي، كلهم قالوها بلا شك وبثقة، نكون حضوراً ساعة إيقاف الحرب ولأيام معدودة، توقفت نعم توقفت، فهل ممكن أن نعيد الاقتراح الممكن غير الصعيب ليكون ممكناً؟؟!
أعود إلى الجنينة داراندوكا وأكمل دهليزي من عندها، اجلس في سرايا السلطان عبد الرحمن بن السلطان بحر الدين حفيد السلطان تاج الدين.
نعم ننير الآن الطريق ليكون السلام ممكناً
وهو ممكنٌ
هل انت معي..؟
وفي دهليزي القادم أحكي عنها تفاصيل حضور المُبدعين في بناء السلام في داراندوكا والغرب الوسيع