اعمدة رأي

إبراهيم شقلاوي يكتب..- ترسيم دولة جديدة في غرب السودان.. (2_2)

كما أشرنا في المقال السابق ان حرب الخرطوم بدأت في 15 أبريل من العام المنصرم بمحاولة انقلابية قامت بها قوات الدعم السريع التي تتبع للجيش السوداني.. بعدها أعلن الجيش انه يحاول اخماد المحاولة حتي لحظة كتابة هذه السطور.. كذلك أشرنا الي ان الحرب ظلت تتنقل بين عدد من التعريفات.. عبثية حينا.. وبين جنرالين حينا اخر .. الي ان استقر الحال علي انها حرب (وجودية) بعد أن أصبحت تتخذ منهج الاستعانة بالمرتزقة الأجانب من خارج الحدود للقتال في صفوف قوات الدعم السريع المتمردة.. وأصبح المواطن يخرج غصبآ من مسكنه وتنهب ثرواته ويغتصب عرضه.. هذا الي جانب التخريب المتعمد لمؤسسات الدولة التعليمية والبحثية والتراثية والتوثيقية .. كذلك أهدافها ظلت متجددة.. أعلن قائد الدعم السريع في اليوم الأول للحرب بأن الهدف القبض علي قائد الجيش وايداعه السجن لأجل تحقيق التحول الديمقراطي.. ثم بعدها أعلن ان الحرب ضد دولة 56 التي ظلت تسيطر عليها النخبة النيليه.. مقابل هامش الصحراء.. ثم أعلن انها حرب ضد نظام المؤتمر الوطني (الفلول) وهكذا ظلت تتدرج وتنتقل باهدافها حسب تطور المشهد السياسي والعملياتي.. كذلك أشرنا في مقالنا السابق الذي نكمله بهذا المقال الي ان تطور أهداف الحرب مقصود لذاته لاحداث تمهيدا للهدف الأساس وهو ربما فصل إقليم دارفور عن السودان واشرنا في ذلك أن الذي يجري ليس صدفة.. انه مسار مرسوم بعناية كبيرة ومتحكم فيه بدقة شديدة كما أنه مرتبط ارتباط مباشر بتطور العمليات العسكرية علي الارض.. الامر اشبه بالتطور الدرامي الذي يعتمد علي تهيئة الجمهور من خلال الانتقال المدروس من مشهد لأخر.. لذلك ربما بدأنا في الوصول لختام الحلقات التي تمضي نحو انفصال إقليم دارفور.

حيث بدا ذلك ينجلي بصورة متدرجة من خلال دخول لاعب جديد مثل فرنسا التي تبحث عن مصالها في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء التي بدأت في التداعي في بعض البلدان الأفريقية مثال أفريقيا الوسطي، النيجر، ببوركينا فاسو، لذلك حسب مراقبين بدأت تسارع الخطي منذ مؤتمر باريس للقضايا الإنسانية حول السودان الذي انعقد في منتصف الاسبوع الماضي للبحث عن دور يمكن من إكمال الاعداد لنهاية المشهد لصناعة دولة جديدة.. في ظل تحكم قوات الدعم السريع في أربع ولايات من أصل خمس.. وهنا لابد من الإشارة الي ما نقله موقع( الشرق الاخباري) ان حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي قال كلما “تساهلت” القوة المشتركة راغبة في التعايش السلمي “تتمادى” قوات الدعم السريع في توسيع دائرة سيطرتها بغرض “ترسيم دولة جديدة في غرب السودان”. من الواضح أن القائد مناوي يقرع أجراس الخطر وينبه الغافلين لماهو قادم.. عليه يظل التحدي عظيم امام النخبة السياسية السودانية اما ان تحافظ علي وحدة البلاد بالعمل علي تجاوز الخلافات واما ان تخضع للمخطط الإقليمي والدولي.. الذي يحاك في الخفاء.

في تطور لافت ضمن مشهد الحرب خرج الشيخ موسي هلال عبدالله زعيم الإدارة الأهلية ورئيس مجلس الصحوة الثوري.. الذي يتمتع بكاريزما خاصة ونفوذ كبير في إقليم دارفور وقدرة كبيرة في التأثير علي مجريات الأحداث.. في محاولة لإعادة ضبط الساحة الدارفورية بل الساحة السودانية قاطبة.. هذا الظهور الذي عده المراقبين محاولة إنقاذ ناجحة للملمة شتات أبناء الإقليم المغرر بهم.. فالحكمة التي ظلت تميز الرجل بجانب علاقاته الممتدة بين القبائل والقيادات الحكومية تجعله قادرا علي أحداث تحول كبير في ميزان الحرب لصالح مشروع الدولة الوطنية.

الزعيم هلال يعرف ابعاد الاجندة التي تعمل علي الدفع بالبلاد الي محرقة التقسيم.. لذلك أعلن هذا الاسبوع امام جمع كبير من جماهيره انحيازه لمشروع وحدة البلاد وانحيازه للمؤسسات الدولة الوطنية وانحيازه للجيش.. وانه ضد الحرب التي يشارك فيها مرتزقة من عدد من الدول ليبيا وتشاد النيجر وأفريقيا الوسطي واثيوبيا موكدا عبثية الحديث عن دولة 56 التي صنع استقلالها كل اهل السودان دون تمييز ووصف من يقول بذلك بالجهل بتاريخ السودان الحديث..

الرجل يعلم كمياء دارفور في مفهوم الولاء والبراء لذلك هو الاقدر علي إدارة المشهد في هذا التوقيت.. يري بعض المراقبين ان ظهور الرجل لايخلو من جانب براجماتي.. فالرجل يعتبر أكثر أصالة من حميدتي باعتباره زعيم إدارة أهلية راسخ يعلم تعقيدات المنطقة وله علاقات ممتدة وراسخة مع كافة مكونات دارفور القبلية ويتمتع بقبول واسع.. ولا ينسي ان الرجل زعيم سياسي ايضا يحسب له الف حساب من ناحية النفوذ والتأثير الممتد.. المؤكد ان ظهور هلال يفشل المشروع السلطوي القبلي الهادف للسيطرة علي البلاد.

يري المراقبين ان هذا المشروع الافل المدعوم اقليميا كان يخطط لان يقوده موسي هلال في مرحلة من المراحل .. لكن لصلابة الرجل ووعيه بالمهددات الأمنية و الاجتماعية وحرصه علي وحدة البلاد تم تجاوزه واختيار حميدي وفي ذلك إشارة لأخطاء الإنقاذ التي كانت متأرجحة في علاقتها بموسي هلال ولم تستطيع التنبؤ بالمالات.. إذا ان ذلك إتاحة فرصة واسعة لظهور حميدتي الذي سرعان مآتم استقطابه بواسطة القوي الإقليمية والدولية صاحبت مشروع تفكيك البلاد.. فإبعاد الشيخ هلال حينا وتقريبه حينا اخر كأنما ترك شيء في نفس الرجل وهو ربما ما جعله يخرج متأخرا بعد مضي عام من الحرب ليعلن انحيازه للجيش بوضوح دون مزايدة بعد أن علم خطورة المسار الذي تمضي نحوه البلاد .. بالرغم من أن البعض يصف هذا الانحياز بالمتأخر.. وقد اتي بعد أن اكلت شجرة التمرد منسأته دابة الأرض وانه بات الي زوال.. وان هذا الموقف لو تم في بدايات الحرب كان ربما غير كثير من المعادلات علي الاقل لم تكن لتسقط نيالا او الجنينة او زالنجي التي تعتبر مناطق نفوذ حقيقية للرجل.. المهم الان بعد أن انتقل ملف الحرب من الوكلاء المحليين والاقليميين وبات بيد للداعمين الاساسين مخططي فكرة الانتقال المتحكم فيه.. أمريكا والاتحاد الأوروبي.. فالأمر يتطلب مقاربات جديدة أساسها وحدة كافة المكونات السودانية ووحدة ارادة القيادات العسكرية و السياسية والاهلية و المجتمعية.. لمجابهة مخطط فصل دارفور.

اتفقنا علي ان الزعيم هلال يدرك خطورة المخطط.. الذي ظل يعمل علي ضرب النسيج الاجتماعي للبلاد.. فقد عمدت الحرب علي عزل المكون الدارفوري عن بقية اهل السودان وتصاعدت وتيرة الخطاب العنصر المعزز بالانتهاكات الواسعة في حق السودانيين في عدد من الولايات هذا الأمر ربما يجعل ردت الفعل من السودانيين تجاه دارفور عنيفة مستقبلا وربما تعمل تجاهها قوانين صارمة.. في المستقبل القريب.. لذلك من المهم التحرك العاجل للمحافظة علي اللحمة الوطنية والنسيج الاجتماعي .. كذلك من المهم الفصل بين السود الاعظم من اهل دارفور الوطنيين الداعمين لوحدة البلاد الذين ظلوا يدعمون التعايش السلمي بين مختلف القبائل والمكونات وبين الذين ولغوا في الدم الحرام و الانتهاكات.. عليه نستطيع القول ان التحدي الان له وجهين الوجه الأول متعلق بالتحرك العاجل للشيخ موسي هلال لجمع الإدارة الأهلية و مخاطبة المنخرطين في الحرب بأن يرجعوا الي صوابهم ويدعموا وحدة البلاد.. بجانب المسارعة في إجراء المصالحات وتعزيز اللحمة الوطنية.. و مخاطبة السودانيين..الوجه الاخر متعلق بالقوات المسلحة السودانية و بالأحزاب والقيادات الوطنية لتشكيل جدار وطني متين خالص لايعزل احد لأجل وحدة البلاد و حمايتها من الابتزاز والتآمر الدولي والاقليمي.. حتي تنعم بلادنا وشعبنا وينعم الجميع بالأمن والسلام والاستقرار والطمأنينة.. وحتي نمنع دارفور من أن تكون احدي كروت المساومة والضغط.
دمتم بخير وعافية..، 24:ابريل:2024..

النيل الإلكترونية

يزدحم الفضاء الالكتروني بالأخبار، وناقليها؛ بجدّها وجديدها.. فما الجديد إذن؟! هي (صحيفة النيل الإلكترونية) وكالة إخبارية مساحتها للكلمة الصادقة، ولا غيرها..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى