حـدود المنطق اسماعيل تيسو يكتب..سفارة السودان بمصر ،، تحية وانحناء بقدر حجم العطاء
ولما كان معظم السودانيين المتأثرين بالحرب في الخرطوم والفارِّين من جحيمها، قد يمموا وجوههم شمالاً شطر جمهورية مصر العربية، طلباً للأمن من خوف والإطعام من جوع، فإن ذلك قد ألقى بضغوط جسيمة، ومسؤليات عظيمة على كاهل سفارة السودان بالقاهرة، ومثّل في الوقت نفسه اختباراً جديداً لها، وهي أي سفارة السوان بمصر معتادة أصلاً على مواجهة الأزمات والتصدي لتداعياتها، وليس ببعيد عن الأذهان أزمة السودانيين الذي تقطعت بهم السبل، وعلقوا في مصر على خلفية الإغلاق المفاجيء خلال جائحة كورونا كوفيد 19 قبل نحو ثلاث سنوات.
وتقول إحصاءات وتقديرات غير رسمية إنه يوجد في جمهورية مصر العربية حالياً ما بين خمسة إلى ستة مليون سودانياً، يتوزعون على مختلف محافظات الجمهورية، وقد ارتفع هذا العدد بزيادة ثلاثمائة ألف شخص وصلوا إلى مصر عبر المعابر البرية منذ اندلاع الحرب في السودان منتصف شهر أبريل 2023م، وقد درجت جمهورية مصر العربية على استقبال ما يزيد عن ثلاثين ألف سودانياً يقصدونها سنوياً لتلقِّي الخدمات الصحية والعلاجية في المستشفيات والمراكز الطبية والعلاجية في العاصمة القاهرة وغيرها من المدن الأخرى.
إن أكثر من تسعين بالمائة من هذا العدد، تقع مسؤوليات خدمته على عاتق السفارة السودانية بالقاهرة، لذلك ينبغي ألا تأخذك عين الدهشة عندما تطأ قدماك محيط مبنى السفارة الواقع في منطقة الدقي بمحافظة الجيزة، بسبب كثافة السودانيين الذين تدفقوا من كل حدب وصوب، كلُّ جاء وفي نفسه حاجة ليقضيها، سواءاً كانت إجراءات متعلقة بتوفيق الأوضاع، أو تجديد جوازات، أو إكمال إجراءات متعلقة بالتأشيرات، أو بالخدمات الصحية والعلاجية، أو استخراج مستندات للطلاب والمرضى والعاملين من السودانيين المقيمين في مصر، أو غير ها من المعاملات والمصالح التي تُعنى السفارة بتقديمها وتسهيلها للمواطنين السودانيين بمصر.
شخصياً عايشتُ المشهد وأنا أقصد سفارة السودان بالقاهرة لأول مرة، لاستكمال إجراءات تتعلق بمستندات طبية قصدتُ بها مكتب المستشار الطبي بالسفارة دكتور الرشيد حمزة الذي استقبلني هاشاً باشاً ولم يكن بيننا سابق معرفة، وأذكر أنني كنت وقتها برفقة دكتور عبد العاطي المناعي رئيس مجلس إدارة شركة ترافيكير للسياحة الصحية بمصر والذي عرَّفنا ببعض، حيث أجلسنا على مكتبه المكتظ بالسودانيين طالبي الخدمات، وقبل أن يسألني عن طبيعة الإجراءات التي أتيتُ من أجلها، دخل على المكتب شخص آخر، وتبعه آخر وتبعته أخرى، وجميعهم يستهدفونه لتقديم تسهيلات متعلقة بإجراءات طبية، وجميعهم يقابلهم دكتور الرشيد حمزة بذات الحفاوة والبشاشة وكأن بينهم سابق معرفة.
ومثل مكتب المستشار الطبي دكتور الرشيد حمزة، فإن ذات المشاهد تتكرر في مكاتب أخرى وبخاصة مكتب المستشار الثقافي مرتضى علي عثمان، ذلك أن المستشارية الثقافية معنية بتعزيز التواصل الثقافي والفني والإبداعي في دولة مثل جمهورية مصر العربية التي تعتبر واحدة من أكبر المنارات الثقافية والفكرية في العالم العربي وأفريقيا، وتحتضن مصر في صدرها الفني والإبداعي الحنون، الكثير من السودانيين ممن برعوا في مختلف التخصصات الفكرية والأدبية والفنية، حيث تسارع المستشارية الثقافية بسفارة السودان في القاهرة إلى تذليل ومعالجة كل المشكلات والتحديات التي يواجهونها.
بيد أن أكبر الهموم التي تؤرِّق مضجع المستشارية الثقافية في سفارة السودان بالقاهرة، هي قضايا متابعة الإجراءات وتذليل المشاكل والعقبات التي تواجه الطلاب السودانيين من الجنسين، سواءاً كانوا يدرسون في الجامعات المصرية، أو أؤلئك الذي يرتادون المدارس بمختلف مراحلها الدراسية، مصرية كانت أم سودانية، وما أكثر المدارس السودانية المنتشرة في جمهورية مصر العربية، وما أكثر المشاكل التي يعاني منها أصحاب هذه المدارس، وتلقي بظلالها السلبية على أؤلياء أمـور الطلاب الذين يلتزم أبناؤهم وبناتهم بالدراسة في مختلف المراحل الدراسية.
قد تبدو مثل هذه المشكلات عادية في ظل وضع عادي، ولكن الظروف والتعقيدات الأمنية والسياسية والاقتصادية التي يعاني منها السودان، ترفع من ثيرمومتر هذه المشكلات إلى أقصى درجات السخونة، وبالتالي فإن سفارة السودان بجمهورية مصر مطالبة بالتصدي لهذه المشكلات ومحاولة إيجاد معالجات ناجعة لها، مع ضرورة التزام الحفاوة والاهتمام، وبذل السماحة في التعامل، وضبط النفس ومد حبال الصبر حتى خارج حدود السفارة، فأنت تتعامل مع مواطن سوداني أكلت الأزمات من واقعه وشربت، وقدّت قميصه من دُبرٍ فهرب وهو من اللاجئين.
إن من لا يشكر الناس لا يشكر الله، ولعلها سانحة طيبة لنرفع من خلالها القبعات لتحية طاقم السفارة السودانية بجمهورية مصر العربية وهم يبذلون الغالي والنفيس ويجتهدون لتمثيل السودان والدفاع عن مصالحه وتسهيل المعاملات والإجراءات وتنظيم شؤون السودانيين المقيمين في مصر في ظل ظروف وتحديات بالغة التعقيد، فالتحية لرُبَّان سفينة السفارة سعادة السفير محمد عبدالله علي التوم، سفير السودان بمصر، الذي يدير السفارة بتناغم و( هارموني) وانسجام، الأمر الذي يعكس وعيه وتفهمه لمتطلبات ومطلوبات الوظيفة الدبلوماسية وكيفية مزجها بروح الزمالة وإعطاء كل خبيزة لخبازها، فلك التحية سعادة السفير محمد عبدالله ونعزيك في فقد الوالدة الغالية التي رحلت قبل عدة أيام، نسأل الله أن تكون في عليين، وتمتد يد التحية لتصافح طاقم عمل السفارة من الدبلوماسيين والمستشاريين والكوادر المساعدة من موظفين وعمال، فهمُ جميعاً عزموا على أن يكونوا العمق في بحر تجويد الأداء، مهرجاناً من عطاء، وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم.