اعمدة رأي

ايمن عبد المجيد يكتب..قمة الأمل والعمل.. رسائل مصر ودول الجوار لشعب السودان والعالم

في كلمته بالجلسة الافتتاحية، لقمة دول جوار السودان الأولى، التي عُقدت اليوم بقصر الاتحادية بالقاهرة بدعوة من الرئيس عبدالفتاح السيسي، عبّر الرئيس بكل صدق عن مشاعر شعب مصر تجاه ما يعانيه الأشقاء في السودان من آلام.

 

في ختام كلمته بالجلسة الافتتاحية، وجه الرئيس السيسي رسالة إلى شعب السودان الشقيق والعزيز قائلًا: “إن مشاهد الخراب والدمار والقتل التي نطالعها تُدمي قلوب كل المصريين، نشعر بمعاناة أشقائنا ونتألم لآلامهم، وندعو الله العلي القدير أن يذيل هذه المحنة في أسرع وقت”.

 

هذه الرسالة المصرية تضمنت دعوة إلى: “ضرورة إعلاء جميع الأشقاء في السودان المصلحة العليا، والعمل للحفاظ على سيادة ووحدة السودان، بعيدًا عن التدخلات الخارجية التي لا تخدم استقرار وأمن السودان بل والمنطقة”.

وفي تلك اللحظة التاريخية الفارقة من عمر السودان الشقيق، لم تقف مصر موقف المشاهد المتألم لآلام الشعب السوداني، ولا موقف تلك الدول التي سعت لاقتناص مصالح ضيقة بتدخلات تطيل أمد الصراع وفاتورة الدماء والتشرد ودمار البنية التحتية، بل كان لمصر موقفها الداعم منذ اللحظة الأولى لاندلاع الصراع، وما زالت الجهود تتواصل.

 

فقد شدد الرئيس في رسالته لشعب السودان على أن: “مصر لن تدخر جهدًا للمساعدة في استعادة الأمن والاستقرار والسلام في ربوع هذا البلد الشقيق، بالتعاون مع كل الأطراف الجارة والصديقة”.

 

قمة اليوم التي شارك فيها تلبية لدعوة مصر، رؤساء دول وحكومات، دول الجوار: “ليبيا وإفريقيا الوسطى وجنوب السودان وإثيوبيا وإريتريا وتشاد، ورئيس الاتحاد الإفريقي، والأمين العام لجامعة الدول العربية”، موقف مصري وبيان عملي على ما بعث به الرئيس السيسي في كلمته أن مصر لن تدخر جهدًا للمساعدة في استعادة الأمن والاستقرار والسلام في ربوع السودان الشقيق.

 

هذه القمة الناجحة في جمع دول الجوار في لحظة تاريخية فارقة، وبلورة رؤية موحدة للمساعدة في إنهاء الأزمة ووقف الاقتتال، بعث نجاحها وصياغتها لخطة عمل، برسالة بعث بها الرئيس عبدالفتاح السيسي في مُستهل إلقائه البيان الختامي للقمة.

 

الرسالة الواضحة مُفادها: “أن لدول الجوار دورًا محوريًا في حل الأزمة في السودان، وتقديم يد العون للأشقاء في هذه اللحظة التاريخية”.

لماذا؟ لأن تلك الأزمة العميقة التي يمر بها السودان لها تأثيراتها السلبية على الشعب السوداني، وبنيان مؤسسات الدولة قدرتها على أداء وظائفها، وعلى المنطقة ودول الجوار.

دول الجوار تلك الأشد تأثرًا بالأزمة هم كما قال الرئيس والأكثر فهمًا ودراية بتعقيداتها، ما استوجب توحيد رؤيتها ومواقفها تجاه الأزمة، واتخاذ قرارات متناسقة وموحدة تُسهم في حل الأزمة بالتشاور مع المؤسسات الإقليمية الفعالة، وعلى رأسها المشاركون في القمة، الاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية.

 

دول الجوار الأشد تأثرًا بالأزمة، فهي التي استقبلت مئات الآلاف من النازحين الفارين من ويلات الصراع المُسلح، ومع استمراره تزداد فاتورة الدماء والدمار والمُعاناة والنزوح، وتدمير بنية السودان، وإنهاك اقتصادات الدول المضيفة، والتي يحتم عليها ضميرها مواصلة دعمها.

مصر منذ اللحظة الأولى للأزمة، تحملت مسؤوليتها التي تفرضها وحدة التاريخ والمصير والمحبة بين شعب مصر والشعب السوداني الشقيق، بالعمل على إيصال الدعم بالغذاء ومواد الإغاثة والدواء، وفي الوقت ذاته استقبال مئات الآلاف من الأشقاء الفارين من الدمار، لينضموا إلى نحو خمسة ملايين ضيف سوداني يقيمون في مصر منذ سنوات عديدة.

 

ولقد عبّر جميع رؤساء دول وحكومات دول الجوار، في كلماتهم الافتتاحية، عن دور بلادهم في استقبال النازحين، وضرورة إيجاد حل للأزمة السودانية، من خلال أطرافها دون تدخلات خارجية.

 

ولعل من أهم ما خلص إليه المجتمعون في بيانهم الختامي هو التأكيد صراحةً، على رفض التدخلات الخارجية التي تعوق إنهاء الأزمة وتطيل أمدها، الرسالة نابعة بالتأكيد من رصد تدخلات سلبية تحكمها مصالح ضيقة تتناقض مع مصالح شعب السودان، وتهدد سلامة وحدة الوطن وبالتبعية تزيد من أعباء دول الجوار.

ونص البند الثاني من البيان على: “التأكيد على الاحترام الكامل لسيادة ووحدة السودان وسلامة أراضيه، وعدم التدخل في شؤونه الداخلية، والتعامل مع النزاع القائم باعتباره شأنًا داخليًا، والتشديد على أهمية عدم تدخل أي أطراف خارجية في الأزمة بما يعوق جهود احتوائها ويطيل من أمدها”.

 

فيما جاء البند الأول، معربًا عن القلق العميق إزاء استمرار العمليات العسكرية والتدهور الحاد للوضع الأمني والإنساني في السودان، مناشدًا الأطراف المتحاربة وقف التصعيد والالتزام بالوقف الفوري والمستدام لإطلاق النار لإنهاء الحرب، وتجنب إزهاق أرواح المدنيين الأبرياء من أبناء الشعب السوداني وإتلاف الممتلكات.

 

فإلى جانب انهيار الأمن الإنساني، متمثلًا في إزهاق أرواح الأبرياء، وانهيار الخدمات الصحية، والبنية التحتية، وما أصاب الموسم الزراعي من خسائر يترتب عليها فقدان الأمن الغذائي، وهي مخاطر أشار إليها الرئيس السيسي، فإن انهيار مؤسسات الدولة وشيوع الفوضى، يخلق بيئة سانحة للإرهاب والتطرف وتنامي تهديدات للمنطقة ككل.

 

وهو ما نص عليه البند الثالث من البيان بكل وضوح: “التأكيد على أهمية الحفاظ على الدولة السودانية ومقدراتها ومؤسساتها، ومنع تفككها أو تشرذمها وانتشار عوامل الفوضى، بما في ذلك الإرهاب والجريمة المنظمة في محيطها، وهو الأمر الذي سيكون له تداعيات بالغة الخطورة على أمن واستقرار دول الجوار والمنطقة ككل”. 

 

فيما حمل البند الرابع رسالة واضحة للمُجتمع الدولي: عليكم تحمل مسؤولياتكم في دعم الشعب السوداني ودول الجوار، لتتمكن من الصمود في تخفيف معاناة ضيوفها النازحين، المتزايدين مع اسمرار الأزمة.

لذا شدد البيان على: “أهمية التعامل مع الأزمة الراهنة وتبعاتها الإنسانية بشكل جاد وشامل، يأخذ في الاعتبار أن استمرار الأزمة سيترتب عليه زيادة النازحين وتدفق المزيد من الفارين من الصراع إلى دول الجوار، الأمر الذي سيمثل ضغطًا إضافيًا على مواردها يتجاوز قدرتها على الاستيعاب”.

 

“وهو ما يقتضي ضرورة تحمل المجتمع الدولي والدول المانحة مسؤوليتهما في تخصيص مبالغ مناسبة من التعهدات التي تم الإعلان عنها في المؤتمر الإغاثي لدعم السودان، والذي عُقد يوم 19 يونيو ۲۰۲۳ بحضور دول الجوار”.

 

وأعربت القمة عن قلقها البالغ “إزاء تدهور الأوضاع الإنسانية في السودان، وإدانة الاعتداءات المتكررة على المدنيين والمرافق الصحية والخدمية، ومناشدة جميع أطراف المجتمع الدولي لبذل قصارى الجهد لتوفير المساعدات الإغاثية العاجلة، لمعالجة النقص الحاد في الأغذية والأدوية ومستلزمات الرعاية الصحية، بما يخفف من وطأة التداعيات الخطيرة للأزمة على المدنيين الأبرياء”.

 

وهنا توافقت دول الجوار على تسهيل نفاذ مواد الإغاثة للشعب السوداني، داعية أطراف الصراع لتوفير ممرات آمنة، وضمان أمن وسلامة فرق الإغاثة.

وحول الرؤية المُشتركة لحل الأزمة في السودان، فقد أكدت دول الجوار على: “أهمية الحل السياسي لوقف الصراع الدائر، وإطلاق حوار جامع للأطراف السودانية يهدف لبدء عملية سياسية شاملة تُلبي طموحات وتطلعات الشعب السوداني في الأمن والرخاء والاستقرار”.

 

وحتى توضع مخرجات القمة موضع التنفيذ، تم “الاتفاق على تشكيل آلية وزارية بشأن الأزمة على مستوى وزراء خارجية دول الجوار، تعقد اجتماعها الأول في ندجامينا، لوضع خطة عمل تنفيذية تتضمن وضع حلول عملية وقابلة للتنفيذ لوقف الاقتتال والتوصل إلى حل شامل للأزمة السودانية، عبر التواصل المباشر مع الأطراف السودانية المختلفة، في تكاملية مع الآليات القائمة، بما فيها الإيجاد والاتحاد الإفريقي.

وتكليف آلية الاتصال تلك ببحث الإجراءات التنفيذية المطلوبة لمعالجة تداعيات الأزمة السودانية على مستقبل استقرار السودان ووحدته وسلامة أراضيه، والحفاظ على مؤسساته الوطنية ومنعها من الانهيار، ووضع الضمانات التي تكفل الحد من الآثار السلبية للأزمة على دول الجوار، ودراسة آلية إيصال المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى الشعب السوداني.

 

وهنا رسالة أخرى، أن دول الجوار مستمرة في عقد قمم تالية لمتابعة ما بدأ بدعوة من مصر، فمن المقرر أن تعرض الآلية نتائج اجتماعاتها وما توصلت إليه من توصيات على القمة القادمة لدول جوار السودان.

نأمل في أن يكلل الله تلك الجهود المُخلصة بالنجاح، وأن يخفف معاناة الأشقاء في السودان ويحقن دماءهم، وأن يُهدي المتصارعين إلى سُبل الرشاد، لحلول سياسية بإرادة داخلية جامعة لكل مكونات الشعب ومؤسساته، وأن يحفظ السودان من شر الأطراف الخارجية المغذية للاقتتال، تلك التي تلعق مصالحها الضيقة من دماء الضحايا.

ayman.rosal2016@gmail.com

 

النيل الإلكترونية

يزدحم الفضاء الالكتروني بالأخبار، وناقليها؛ بجدّها وجديدها.. فما الجديد إذن؟! هي (صحيفة النيل الإلكترونية) وكالة إخبارية مساحتها للكلمة الصادقة، ولا غيرها..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى