اقتصادية

لقمة العيش في السودان أصبحت مستحيلة

الخرطوم –صحيفة النيل الالكترونية

أحكمت الأزمة الاقتصادية حلقاتها حول معيشة السودانيين، الأمر الذي اضطر كثيرين إلى البحث عن بدائل لكسب العيش وتوفير أدنى احتياجات الحياة اليومية، بعد أن انشغلت السلطة بشؤون الحكم والصراعات السياسية وملاحقة المتظاهرين على حساب الملف الاقتصادي.
وعجزت الحكومة السودانية عن توفير العيش الكريم للمواطنين، ولجأت إلى اتخاذ قرارات فاقمت من مشاكلهم، وأدت إلى ارتفاع الأسعار بصورة جنونية في وقت تزايدت فيه نسبة البطالة بشكل لافت.
وبات السودانيون بين مطرقة الصراعات السياسية وسندان تفاقم الأزمات المعيشية التي طاولت معظم البيوت. ويواجه المواطنون زيادة كبيرة في نسبة البطالة وانهيارا سريعا في الخدمات، بما في ذلك إمدادات المياه والكهرباء، وسط تواصل الاضطرابات الأمنية والسياسية وتواصل الاحتجاجات على السلطة لعدة أسباب، أبرزها تدهور الأوضاع المعيشية.
وفي هذا السياق، يرى المواطن إسماعيل موسى، في حديثه لـ”العربي الجديد”، أن الحياة أصبحت جحيماً لا يطاق رغم الوعود الحكومية بحل المشاكل وتخفيف وطأة المعيشة.
وأضاف موسى أن كل المعايير اختلفت عما كانت عليه في السابق، إذ لا توجد حاليا أي ضوابط تسهل الحصول على لقمة العيش الحلال، مشيرا إلى العنف المفرط من السلطة ضد المجتمع. وأشار إلى أن مختلف الأسر بدأت تدفع بأبنائها الصغار دون سن الخامسة عشرة للعمل في ظل ظروف وتعقيدات بالغة لكسب لقمة العيش التي أصبحت صعبة المنال.
وتابع: “نعلم أن ذلك له مخاطر عدة على الأطفال، ولكن أفضل من الطرق الأخرى المشبوهة التي بدأت أيضا تنتشر في بعض المكونات المجتمعية”.
وحسب بيانات رسمية، ارتفعت نسبة البطالة في السودان إلى 19 بالمائة، وبلغت نسبة البطالة بين الشباب حوالي 34 بالمائة وبين الخريجين 48 بالمائة وبين النساء 45 بالمائة، وفقاً لنشرات رسمية.
وتوقعت دراسة حكومية زيادة مستمرة في معدلات الخريجين نتيجة للتوسع المستمر في مؤسسات التعليم العالي، يقابلها نمو بسيط في معدلات الاستيعاب السنوي للوظائف العامة.
ومن جانبها، تؤكد ربة المنزل زينب عبد العاطي، لـ”العربي الجديد”، أن لديها ثلاث بنات أخرجتهن من المدرسة وجعلتهن يعملن في الأطعمة والمشروبات في الأسواق.
وأضافت: “رغم المخاطر التي يمكن أن تحدث، فإنني اضطررت لإجبارهن على العمل بجانبي في السوق من أجل توفير مصدر رزق والحصول على لقمة العيش، التي أصبحت صعبة في هذه الظروف القاسية”.
وتضاعفت معاناة المواطنين من محدودي الدخل والشرائح الضعيفة بسبب عجزهم عن توفير متطلبات المعيشة، بسبب الزيادات المستمرة في الأسعار.
ويقول مواطنون إن هذه المتطلبات باتت أثقل من أن يحملها كاهلهم المثقل أصلاً بالتزامات متعددة تشمل السكن والغذاء والمواصلات والتعليم والعلاج، كمتطلبات أساسية، فيما استغنى الكثيرون عن الكماليات لأن الحصول عليها أصبح “بعيد المنال”.
وتضاعفت المسؤولية أمام المواطنين بعد تخلي الدولة عن كفالة التعليم والعلاج وقصور مساهمتها فيهما، كما تأثر المواطنون سلباً بتحول بعض الخدمات لشركات تتحصل أموالاً نظير تقديم خدمات ورفع أسعارها مثل المياه والكهرباء.
المواطنة بخيتة حسن الحاج قالت، لـ”العربي الجديد”، إن لديها بنتين تخرجتا من كلية الطب والهندسة، وبسبب عدم وجود فرص عمل لهما والضائقة المعيشية، تعملان معها في السوق بمجال بيع الأطعمة والمشروبات.
وأضافت أن إحداهما تبيع الشاي والقهوة، والأخرى تساعدها في بيع الطعام بقلب العاصمة الخرطوم.
وأضافت أن الحالة الاقتصادية الصعبة حولت مسار الأسرة بشكل كامل من أجل كسب العيش ومواجهة موجات الغلاء المتعاقبة.
وقال الجهاز المركزي للإحصاء الحكومي إن معدل التضخم السنوي انخفض إلى 148.88 بالمائة في‭‭ ‬‬يونيو/حزيران، من 192.21 بالمائة في مايو/أيار.
ورغم ذلك، تبقى معدلات التضخم في البلاد من ضمن الأعلى على مستوى العالم. ويأتي ذلك في وقت يتدهور فيه سعر العملة المحلية وتعاني الأسواق من شح حاد في العملة الصعبة.
ومن جهة أخرى، يقول المعلم محمد إبراهيم لـ”العربي الجديد” إن الأوضاع الاقتصادية الصعبة طالت، ولا يوجد أمل للخروج منها في ظل الانقلابات العسكرية وعدم التوافق بين المكونات السياسية وإيقاف العالم مساعداته المالية للبلاد.
وأضاف أن ذلك الوضع “أجبر كثيراً من الأسر على الهجرة لخارج البلاد، بغرض العيش في سلام والحصول على خدمات أفضل مثل الصحة والتعليم، كما أن مستقبل الذين تخرجوا من الجامعات أصبح على كف عفريت، ولذلك لجأ كثيرون إلى دول أخرى توفر لهم المقومات الأساسية للحياة.
أما التاجر بابكر إسحاق فقال، لـ”العربي الجديد”، إن هناك عروضا كثيرة من المواطنين لبيع ممتلكاتهم الخاصة في المنزل وبأسعار زهيدة، لأجل تغطية نفقات علاج أو مدارس أو حتى العيش ولو إلى حين. ولكنه أكد أن كل الحلول التي ذهب إليها السودانيون غير مجدية إذا استمرت الاوضاع متفاقمة بهذا الوضع الكارثي، ففي نهاية المطاف لن نجد وطنا أو مواطنا.
ويرى أن “كثيراً من الأسر بدأت تعلم أن أبناءها يسيرون في الطريق الخاطئ، ولكنها تتكتم على ذلك، خاصة تجارة المخدرات والسلاح الذي انتشر في الآونة الأخيرة، كما أصبحت بعض الجامعات أرضا خصبة للأعمال المشبوهة، وكل ذلك نتاج طبيعي لتفاقم البطالة وعدم وجود فرص عمل.
المختص في الشأن الاجتماعي طه الباقر قال لـ”العربي الجديد”: إن ما يحدث هو من مظاهر الأزمة الاقتصادية وعدم وجود حلول من الحكومة القائمة، بل تركت المجال واسعا لاتباع المواطنين أي وسيلة من أجل الكسب من دون وجود رقابة من الجهات المختصة.
وأشار إلى أن وزارة المالية همها الأول هو الجباية وفرض الرسوم والضرائب من دون النظر إلى مصدر السلع، كما أنه ليست هنالك أي رقابة على الأسواق أو حتى ما يدخل أو يخرج من البلاد، وهذا شجع كثيرين إلى اتخاذ سبل متعددة لتحقيق غايات ضرورية.
تضاعفت المسؤولية أمام المواطنين بعد تخلي الدولة عن كفالة التعليم والعلاج وقصور مساهمتها فيهما، كما تأثر المواطنون سلباً بتحول بعض الخدمات لشركات.
وأبدى أسفه لحدوث شرخ كبير في المجتمع السوداني للحصول على لقمة العيش. وقال إذا استمر الحال بهذه الصورة، فإن الاسوأ القادم هو تفكك نسيج المجتمع السوداني والسبب هو الأزمة الاقتصادية.
ومن جانبه، يقول الاقتصادي السوداني الطيب إبراهيم، لـ”العربي الجديد”، إن الحكومة مطالبة أكثر من أي وقت مضى بإجراء إصلاحات اقتصادية وسياسية حقيقية، تشكل أرضية لإصلاح الوضع المعيشي للمواطن وتوفير فرص عمل وتجنب انفلات الأوضاع، في حال استمرار الأزمة هكذا من دون حلول جذرية.
“البيئة الاقتصادية الحالية لا تساعد على تحقيق أدنى طموحات المواطنين وفق إبراهيم، الذي طالب بأن تشمل الإصلاحات التركيز على المشروعات الإنتاجية خاصة الزراعة وما يتصل بها من الصناعات التحويلية، ورفع حجم الصادرات وتذليل العقبات الحكومية أمام المنتجين التي قال إنها تتمثل في تعدد الرسوم والجبايات وتصل إلى حد إخراج الكثيرين من دائرة الإنتاج لصعوبة العمل في ظل أوضاع غير محفزة.
ويتابع: “كثيرا ما تكبد المنتجون خسائر دفعتهم إلى وقف أعمالهم وبالتالي تسريح العمال وزيادة نسبة الفقر”.
ولم يستفق السودانيون من تداعيات برامج الإصلاحات الاقتصادية (تحرير الوقود وزيادة أسعار الكهرباء وتخفيض قيمة الجنيه) تحت ضغوط صندوق النقد الدولي، حتى جاءت الاضطرابات السياسية المتواصلة طوال الفترات الماضية لتزيد من أعداد الفقراء.
ويأتي ذلك في ظل معاناة الاقتصاد السوداني من تدهور سريع بسبب توقف المشاريع الكبرى بالبلاد، التي أدت إلى تعطّل الصادرات وتفاقم البطالة.
وبينما تقول تقارير الأمم المتحدة إن 46.5 بالمائة من سكان السودان يعيشون دون خط الفقر، تقول دراسة حكومية أجريت عام 2017 إن الفقر تراجع إلى 36.1 بالمائة، إلا أن خبراء اقتصاد يرون أن نسبة الفقر في السودان تصل إلى 80 بالمائة طبقاً للواقع الاقتصادي الذي تعيشه البلاد.

النيل الإلكترونية

يزدحم الفضاء الالكتروني بالأخبار، وناقليها؛ بجدّها وجديدها.. فما الجديد إذن؟! هي (صحيفة النيل الإلكترونية) وكالة إخبارية مساحتها للكلمة الصادقة، ولا غيرها..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى