اعمدة رأي

طارق حمزة يكتب..السودان بين فوضى النفوذ وتحديات البقاء: هل تنجح أحزاب اليمين في استعادة دورها؟”

 

‏‎يشهد السودان مرحلة غير مسبوقة من السيولة السياسية والأمنية، حيث يتواصل القتال المسلح بين القوات المسلحة و مليشيا الدعم السريع المتمرده، وتتزايد مراكز القوى على حساب سلطة الدولة المركزية. في هذا المناخ المضطرب، تتداخل الأجندات الإقليمية والدولية بشكل حاد، مع تنافس واضح بين واشنطن وموسكو وبعض دول الإقليم على رسم ملامح النفوذ في البلاد. وترافق هذا التدافع محاولات ممنهجة لإعادة تشكيل الخارطة السياسية عبر إقصاء أحزاب اليمين والقوى المرتبطة بالنظام السابق، تحت شعارات مثل “تجديد الحياة السياسية” و”مكافحة التطرف”. في المقابل، تبرز قوى مدنية جديدة – بعضها مدعوم خارجيًا – تسعى لاحتكار المجال العام، بينما تتراجع قدرة الأحزاب التقليدية على التأثير بشكل ملحوظ.
‏‎
تحديات البقاء أمام أحزاب اليمين:
‏‎تواجه أحزاب اليمين، وعلى رأسها حزب المؤتمر الوطني، تحديات وجودية تتجلى في محاولات الإقصاء القانوني والسياسي، وحملات التشويه الإعلامي، وحرمانها من الموارد والمنابر. رغم ذلك، ما تزال هذه الأحزاب تحتفظ بقاعدة جماهيرية معتبرة، خاصة في الأرياف والولايات، بالإضافة إلى رصيد تنظيمي متراكم عبر عقود. إلا أن الرهان على العودة السريعة عبر الانتخابات يبدو غير واقعي في ظل هندسة سياسية تهدف لإنتاج نخبة بديلة وبيئة انتخابية تفتقر لشروط التنافس العادل. كما أن الاكتفاء بالانتظار السلبي أو الاستناد الحصري إلى “الشرعية الثورية” يهدد بتهميش هذه الأحزاب وفقدانها زمام المبادرة.
من ابرز تحديات بقاء اليمين تجديد الخطاب السياسي الفكري في ظل تربص الخارج سيما الوطن العربي باليمين السياسي بالسودان ومحاولة ؤاده بعد حراك ديسمبر ،يشمل تجديد الخطاب طرح وسطي يجيد القبول وسط طليعة الشعب السودان من الشباب والمثقفين والأقاليم
‏‎
خارطة طريق استراتيجية: توصيات عملية لأحزاب اليمين
• مراجعة نقدية شاملة:
ضرورة تقييم تجربة المشاركة السابقة في الحكم بجرأة، والاعتراف بالأخطاء، وصياغة خطاب جديد يستعيد ثقة الشارع ويحول الحزب من دور “الضحية” إلى دور المبادر القادر على الابتكار السياسي.
• تشييد تحالفات وطنية عريضة:
توسيع دائرة التحالفات لتشمل القوى المتضررة من سياسات الإقصاء، بما فيها الحركات الشبابية والمجتمعية، بعيدًا عن الاصطفافات الأيديولوجية الضيقة، والانفتاح الجاد على الحوار الوطني والمشاركة الفاعلة في أي عملية سياسية تتسم بالشفافية والعدالة.
• تعزيز الحضور الجماهيري والإعلامي:
الاستثمار في العمل الميداني والخدمي، وإعادة بناء شبكات التأثير المجتمعي، خصوصًا في الأطراف، وتطوير أدوات إعلامية حديثة لمواجهة حملات التشويه وتقديم خطاب عقلاني يواكب متغيرات المرحلة.
• الاستعداد لسيناريوهات متعددة:
التحضير لمرحلة طويلة من العمل المعارض السلمي، مع الجاهزية للانخراط في تسوية سياسية متوازنة إذا توفرت الظروف، مع ضرورة التعويل على مشروع وطني مستقل بعيدًا عن الارتهان للضغوط الخارجية.
• بناء الكوادر وتجديد القيادة:
ضخ دماء جديدة في هياكل القيادة، وتأهيل كوادر شابة قادرة على استيعاب تعقيدات الواقع السوداني والتعامل مع بيئة سياسية متغيرة بوتيرة متسارعة.
‏‎
الخلاصة: المرونة والجاهزية مفتاح البقاء
‏‎يفرض الواقع السوداني اليوم على الفاعلين السياسيين الانصياع لموازين القوة ومقتضيات المصالح، دون مجال للمراهنات التقليدية أو الانتظار السلبي. إذا أرادت أحزاب اليمين – وعلى رأسها المؤتمر الوطني – تفادي التهميش والبقاء عنصرًا فاعلًا في مستقبل السودان، فعليها إعادة تعريف دورها، واعتماد خطاب واقعي، وبناء تحالفات جديدة، واستعادة زمام المبادرة باستمرار. فالمشهد السوداني قابل للتغيير في أي لحظة، وتبقى المرونة والجاهزية هما مفتاح البقاء والتأثير.

مهندس طارق حمزة زين العابدين

رئيس قطاع العلاقات الخارجية بحزب المؤتمر الوطني

النيل الإلكترونية

يزدحم الفضاء الالكتروني بالأخبار، وناقليها؛ بجدّها وجديدها.. فما الجديد إذن؟! هي (صحيفة النيل الإلكترونية) وكالة إخبارية مساحتها للكلمة الصادقة، ولا غيرها..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى