
النيل الإلكترونية_متابعات
أثارت تصريحات رئيس حزب الأمة، مبارك الفاضل، لقناة الجزيرة حول الوضع السياسي في السودان، ردود فعل عنيفة وسط السودانيين، لكن معظم المتابعين للأحداث لم يتفاجأوا بهذه التصريحات لكونها صدرت من شخصية مائعة في السياسة السودانية تنطلق وفقا لمصالح ذاتية ضيقة دون أن تلتزم بأي مبدأ أو تتقيد بأي سقف أخلاقي.
مبارك الفاضل برر في حديثه لقناة الجزيرة، قصف المنشآت المدنية في بورتسودان لوجود خبراء عسكريون إيرانيون في العاصمة الإدارية، وقال إن القصف كان بمسيرة رجح هو أن تكون من إسر.ائيل في محاولة مكشوفة وساذجة لتبرئة الإمارات، ثم تحدث عن الحرب وقال إنها صراع على السلطة وهدد الجيش بأنه في حال عدم الجنوح للسلام فإن الدعم السريع سيعود للخرطوم من جديد.
هذا الموقف بحسب مراقبين، ليس مفاجئا من مبارك الفاضل، الذي اعتاد تسويق عمالته والطعن في ظهر الوطن بالمكشوف دون أن يردعه رادع، فالرجل الذي حرض الأمريكيين في عام 1998 على ضرب مصنع الشفاء تحت ذريعة تصنيعه لأسلحة كيماوية لم تتم محاسبته على هذه الخيانة المفضوحة، وإنما تمت مكافأته بتعيينه مساعدا للبشير ومن ثم وزيرا للاستثمار ونائبا لرئيس الوزراء مسؤولا عن قطاع التنمية الاجتماعية وظل في منصبه حتى خطاب حل الحكومة الذي تلاه عوض بن عوف.
يصف أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية، دكتور محمد عمر، شخصية مبارك الفاضل بالشخصية المضطربة والمتلونة، فهو يتبنى الموقف والموقف المضاد له دون أي شعور داخلي بالخطأ، فهو من سوق لفرية أن مصنع الشفاء ينتج أسلحة كيماوية، وظل يلوك هذه الفرية حتى قصفت الولايات المتحدة المصنع في نهاية التسعينيات، ثم عاد بعد أقل من أربعة سنوات ومن منصبه مساعدا للرئيس البشير اتهم الولايات المتحدة بقيادة حملة لتخريب وإضعاف الاقتصاد السوداني.
وبجانب اضطراب شخصيته، فإن دكتور محمد عمر، يرى أن مبارك الفاضل يفتقد للحس الأخلاقي، حيث لا يستطيع التمييز بين الفضيلة والرذيلة، معتبرا أن حديثه عن وجود عسكري إيراني في بورتسودان هو مجرد حيلة رخيصة لتبرير عمالته المكشوفة وتعزيز شعوره بالرضا الداخلي عن قصف منشآت السودانيين، وأضاف دكتور محمد عمر (ثم وفي موقف متناقض تحدث مبارك عن تفشي الكوليرا وقال إن الخرطوم لا توجد بها مياه ولا كهرباء ولا حياة، ونسى أو تناسى أن أسباب هذه القطوعات تعود بالأساس لقصف المليشيا لمحطات الكهرباء بسد مروي وأم درمان ونهر النيل وبورتسودان وليس قصف خبراء إيرانيون كما يزعم).
لكن مبارك الفاضل الذي ينطلق من نفس أمارة بالعمالة لا يحمل المليشيا وداعمتها الإمارات مسؤولية تعكير حياة السودانيين بقصف المنشآت المدنية، وإنما ينسب ذلك للحرب، مستغلا هذه العلاقة غير الموجودة بين الحرب ومنشآت مدنية للدعوة لإيقاف القتال، دون أن تسمح له عمالته ولو بالقدر الذي يحفظ ماء الوجه للتمييز بين الأهداف العسكرية والمنشآت المدنية المحرمة في جميع قوانين الأرض.
موقف طارئ
كان اللافت للنظر هو الموقف الطارئ الذي اتخذه مبارك الفاضل في بداية الحرب، حيث أعلن دعمه للجيش السوداني، ونقلت له الصحف تصريحا شهيرا جزم فيه بوفاة حميدتي، لكن هذا الموقف تغير فجأة، وتحول الفاضل للجانب الآخر قريبا من المليشيا ويغازل الإمارات من حين لآخر.
ويرى مراقبون أن مواقف مبارك الفاضل الأولى الداعمة للجيش، لم تكن تنطلق من ثوابت وطنية، فبالنسبة لشخصية مضطربة لا تميز بين الفضيلة والرزيلة، كل شئ قابل للبيع، بما في ذلك الوطن، لكن مراقبون يرون أن شخصية مبارك الفاضل تبدو غريبة ومتفردة حتى في العمالة، فهو بخلاف جميع الخوناء، يعرض خدماته أولا ومن ثم ينتظر الثمن، مشيرين إلى أن مبارك فور سقوط نظام الرئيس عمر البشير، تبرأ حتى قبل أن يجف حبر خطاب بن عوف من حكومة الإنقاذ، وظل يقدم خدماته لقوى الحرية والتغيير تارة بمهاجمة النظام الذي كان يشغل فيه وزيرا للاستثمار وتارة في التغزل في ثورة ديسمبر وثوارها، حيث أكد مبارك في تصريحات نقلتها صحيفة المواكب أن ثورة ديسمبر كانت ملحمة جسدت عبقرية الشعب السوداني وقدرة شبابه وجسارته في مواجهة الطغيان، ثم عاد وصرح لصحيفة آخر لحظة، منبها قادة الحرية والتغيير، بأن المشوار مازال طويلاً لتفكيك النظام السابق، واصفاً نظام الإنقاذ الذي عمل به وزيرا بأنه يشبه نظام كوريا الشمالية، وقال إنه نظام أخطبوطي مازالت جذوره موجودة ويجب اقتلاعه، وعندما لم ينال مبتغاه، ارتد وهاجم قوى الحرية والتغيير، وقال في تصريحات نقلتها قناة العربية، إن الحرية والتغيير المجلس المركزي قوى “وهمية” ولا وجود لها على أرض الواقع، وأنه هو وحزبه من صنعوا ثورة ديسمبر.
يقول أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية، دكتور محمد عمر، أن أزمة مبارك الفاضل ليست في كونه عميل فحسب، وإنما هو عميل غبئ وغير مؤتمن يبيع الوطن عندما تقتضي مصلحته الشخصية ذلك ومن ثم يبيع مشغله ويهتف للوطن عندما يكون الثمن منصب وسلطة، مضيفا أن حياة مبارك الفاضل تمحورت منذ السبعينات في وجهتين لا ثالثة لهما، فهو إما أن يكون وزيرا في السلطة أو خائنا للوطن.