اعمدة رأي

صحفي سوداني يكتب..مقاربة الراهن في كتاب كامل إدريس

بقلم: خالد سعد
بعد تعيينه رئيسا للوزراء، انتشرت على قروبات الواتساب نسخة الكترونية من
كتاب (السودان 2025: تقويم المسار وحلم المستقبل) للدكتور كامل إدريس، ما يتيح فرصة للتعرف على توجهات الرجل رغم أن الكتاب صدر منذ العام ٢٠١٦، وقد مرت الكثير من المياه تحت الجسر، ووصلت الأوضاع في السودان إلى مرحلة أخطر من الحرب والدمار والتشرد.
تركز هذه المقاربة على موضوعين هما، رؤية الكاتب النظرية لوقف الحروب، واستراتيجيته لإعادة الاعمار.
إن تعيين د. كامل إدريس في منصب رئيس الوزراء بعد هذه الحرب الكارثية، يجعل كتابه بمثابة دليل سياسي وتنفيذي لما ستكون عليه إدارته بعد تسلمه منصبه، وبالطبع لا يمكن تجاهل أن لقيادة الجيش رؤية رسمية عبرت عنها في (خارطة طريق) أودعت لدى الأمم المتحدة، ولا نعلم حتى الآن إن كانت خارطة الطريق تلك هي التي سينفذها رئيس الوزراء المعين، أم هناك رؤية أخرى غير مطروحة للعلن.
بالنسبة لكثير من المحللين، فإن تعيين الدكتور إدريس، تتوافق مع خارطة الطريق التي تقر الحل التفاوضي، كما يتزامن قرار تعيينه مع تسريبات عن مبادرة محتملة لقوى دولية وإقليمية لإيقاف الحرب في السودان، وأن الخطوة هي تمهيد لخوض التفاوض مع الدعم السريع، ويتفق هذا التحليل مع رؤية ادريس نفسه لوقف الحروب في السودان رغم أن رؤيته قديمة، وارتبطت فقط بحرب الجنوب ودارفور ومناطق النيل الازرق وجنوب كردفان.
في الكتاب، يقدم كامل ادريس رؤية لإيقاف هذه الحروب، ويرى بأن الحروب السودانية (في الجنوب ودارفور والمنطقتين) كانت نتيجة انفجار ظل يشتعل تحت السطح بسبب الظلم التنموي وهشاشة الهوية الوطنية.
وبحسب رؤيته، فإن أدوات وقف الحرب العالمية ي هذه المناطق تشمل:
* وقف شامل لإطلاق النار وإجراءات لبناء الثقة.
* إشاعة ثقافة السلام في التعليم والإعلام.
* تنمية المناطق المتأثرة بالحرب.
* بناء الوحدة الجاذبة بدلا من الوحدة القسرية.
ويشير إلى نقطة مهمة عندما يتحدث عن إنهاء الاحتراب الأهلي والقبلي عبر دستور توافقي يضمن الحقوق الثقافية والاقتصادية، مما يعني اعترافه الضمني بشرعية مطالب الهامش التي صار يتبناها مستشارو الدعم السريع، رغم اعتراض الكاتب على الوسيلة المسلحة لتحقيق المطالب.
هذه المسألة تعزز التحليل بأن توجهات رئيس الوزراء الجديد لا ترفض التفاوض مع القوى المسلحة، فمبدأه الأساسي هو أن السلام لا يبنى إلا على الاعتراف بالآخر، لا على القهر والقوة الغاشمة.
ويقترح الكتاب لوقف الحرب إعلان مبادئ يشمل وقف القتال وتبادل الأسرى، ما يفهم دعوته لحوار غير مشروط مع المليشيات المسلحة إذا التزمت بوحدة السودان وحقوق الإنسان، حسب رؤية الكاتب.
في الكتاب أيضا، يرى أن السودان لا يمكن أن يخرج من دوامة الحروب ما لم ينجز التنمية الإنسانية أولا، وإقرار مركزية التعليم، والبحث العلمي، ومحاربة الفقر، إلى جانب الاهتمام بالتنمية الريفية.
وكما جاء في مقابلة صحفية اجريتها معه العام 2010م، فهو يحمل النخبة السياسية والسلطة المركزية مسؤولية الإهمال التنموي، مما يظهر في رؤيته حول إعادة صياغة النظام السياسي والاقتصادي على أسس عادلة.
ويقول إن إعادة تأهيل المناطق المتأثرة بالحرب لا بد أن تكون ضمن مشروع وطني للتنمية المتوازنة، لا محاصصة حزبية أو صفقة سياسية، وهو ما يعزز القول بأن موضوع إعادة الإعمار هو مشروع وطني كبير وليس اتفاقات ثنائية بين الانظمة، أو رؤية حزبية محدودة الأثر.
في تلك المقابلة الصحفية، وكان وقتها مرشحا لرئاسة الجمهورية، نفى بشدة صلته ببرنامج خارجي للسودان، لكنه أكد قناعته بالشراكة الدولية بوصفها ضرورة استراتيجية.
فهو يرى في الكتاب، أن الشراكة الدولية تبني على أهداف الألفية الإنمائية للأمم المتحدة، والتي ساهم في وضعها، وتحسين صورة السودان دوليا، لتجاوز صورة الحرب والفساد.
ويدعو في هذا الخصوص إلى جذب الاستثمار الأجنبي عبر الشفافية ومحاربة الفساد.
ويعتقد بأن الانفتاح على المنظمات متعددة الأطراف ليس فقط للتمويل، بل أيضا لتبادل المعرفة.
يفهم من هذه الرؤية، بأنه يحدد أهدافا مشابهة لرؤية رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك رغم الاختلاف في طريقة الوصول إلى المنصب، وفي طريقة تحقيق الاهداف المذكورة في الكتاب، فضلا عن التباين في نماذج التنمية التي يعتمدها كل واحد منهما في رؤيته (حمدوك أقرب إلى نموذج الدولة التنموية والنظام المختلط، وكان ميالا للتجربة الكورية، بينما ادريس اقرب إلى تجربة اليابان، وماليزيا والهند)، لكنهما يتفقان على التعامل مع منظمات التمويل الدولية وفقا للخصوصيات الوطنية، فالكتاب ينتقد النموذج الغربي الذي يفصل بين الروحانية والمادية.
ووفقا للأهداف المضمنة في الكتاب، فرئيس الوزراء المعين حديثا، سيعمل على إعادة دمج السودان في المنظومة الدولية، ولربما يعيد التفاوض مع صندوق النقد والبنك الدولي على أساس تنمية تراعي العدالة الاجتماعية، رغم أن مثل هذه الرؤى تعتبر لدى اليسار الماركسي، حيلة تخفي مكشوفة للرأسمالية المتوحشة.
باختصار، إن السودان الذي يطرحه كامل إدريس في كتابه، يتضمن وقف الحرب بحوار غير مشروط، وبناء ثقة وتنمية ما بعد الحرب، واعتراف بالآخر، وتنمية الإنسان أولا، وتعليم، وعدالة، واهتمام بالريف وتقانة، وبنية تحتية، إضافة للشراكة الدولية، واحترام الالتزامات الدولية، وجذب الاستثمار، وشفافية، وإصلاح مؤسسي، ودولة مدنية بتعددية ثقافية، ونظام لا مركزي عادل.

بقلم: خالد سعد

FB IMG 1747740817499

النيل الإلكترونية

يزدحم الفضاء الالكتروني بالأخبار، وناقليها؛ بجدّها وجديدها.. فما الجديد إذن؟! هي (صحيفة النيل الإلكترونية) وكالة إخبارية مساحتها للكلمة الصادقة، ولا غيرها..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى