د.محمد جيب الله حسن يكتب..دكتور طه حسين..حين يزعج النور أعين الظلام

عرفت الدكتور طه حسين في عام 2015، حين كنت طالبًا بأكاديمية السودان للعلوم المصرفية والمالية. لم يكن مجرد اسم متداول بين الطلاب أو شخصية مشهورة فحسب، بل كان قدوة تُروى عنها القصص، ويُحكى عنها بإعجاب. أول من حدثني عنه بإعجاب كبير كان شقيقي الأكبر، الذي شاركه مؤتمرًا اقتصاديًا في تركيا. حدثني بإعجاب عن عقليته الاقتصادية، وطرحه العلمي الراقي، وتمكنه المهني رغم صغر سنه، حيث كان يحمل درجة الدكتوراه ويدير شركة أوراق مالية باقتدار.
سنحت لي فرصة اللقاء به شخصيًا في مكتبه، وكان لهذا اللقاء وقع خاص في نفسي. شعرت حينها أنني أمام شخصية استثنائية لا تشبه غيرها. تلك اللحظة غيّرت مساري بالكامل، فتحت لي آفاقًا جديدة، وزرعت في داخلي طموحًا لم أكن أظنه ممكنًا. كان، بعد فضل الله، أحد منارات الإلهام في حياتي المهنية والعلمية.
من خلال جمعية القرآن الكريم، التي كان يشرف عليها في ذلك الوقت البروفيسور محمد صالح – رحمه الله – بدأتُ مع زملائي بالمشاركة في برامج تدريبية، وكان للدكتور طه دور مباشر في دعمها وتنظيمها. كنت من المشرفين على الجمعية حينها، وبفضل توجيهاته ودعمه، عادت الجمعية إلى المنافسة بعد انقطاع دام أكثر من خمس سنوات، وتمكّنا من تحقيق أفضل أداء على مستوى الجمعيات. لا تزال تلك اللحظة، وتلك الابتسامة التي ارتسمت على وجه البروف، عالقة في الذاكرة.
لكن رحلة الدكتور طه المهنية لم تتوقف عند حدود التدريب أو العمل الأكاديمي. بل في كل مؤسسة عمل بها، ترك بصمته الواضحة، وحقق إنجازات ملموسة لم تأتِ بالمصادفة، بل كانت نتيجة إخلاصه، جديته، وتفانيه في العمل. وبفضل هذه الصفات، تقلد منصب المدير العام لشركة زادنا العالمية قبل اندلاع الحرب في السودان، وهي واحدة من أكبر وأهم الشركات الوطنية.
رغم التحديات والظروف القاسية التي فرضتها الحرب، لم يكن من الذين يستسلمون أو يتوقفون. بل على العكس، قاد الشركة في واحدة من أصعب فتراتها، وحقق فيها إنجازات نوعية تُحسب له ولمن معه من الكفاءات. فقد أعاد تأهيل مطار عطبرة، وأطلق مشروع مدينة الذهب، وفعّل جميع مشاريع زادنا المتوقفة، مثبتًا أن العمل الوطني الصادق لا تُوقفه الأزمات، ولا تُقيده الظروف.
طه حسين لا يرى في المنصب وجاهة، بل مسؤولية وطنية. لم يكن يومًا من طلاب الأضواء، بل كان يعمل بصمت، ويترك للنتائج أن تتحدث عنه. وطنيته حقيقية، نابعة من إيمان راسخ بأن السودان يستحق الأفضل، وأنه لا سبيل للنهوض إلا بالعمل المخلص والمثابرة.
وبرغم كل هذا النجاح، ظل عرضة لهجمات الحاقدين، ممن لا يرضيهم أن ينجح النزيه، أو أن يبرز من يعمل بصدق في زمن اختلطت فيه القيم. لكن الدكتور طه لم يكن يرد على تلك الشائعات والسهام المسمومة، إلا بكلمة واحدة: “حسبي الله ونعم الوكيل”. وكان رده الأبلغ دومًا هو الإنجاز، والصعود، وثبات المبدأ.
أكتب هذه الكلمات عن رجل أعرف أن شهادتي فيه مجروحة، لكنها شهادة حق، ووفاء مستحق. رجل أثبت أن النقاء ممكن، وأن النور لا يُطفأ مهما تكالبت عليه العيون الحاقدة.
د.محمد جيب الله حسن