د. مزمل أبو القاسم يكتب..العليفون قصة براها صمود جسارة صبر وبسالة

العيلفون الأبية.. وأميرها البطل!
كتب كثيرون عن صمود أبطال القيادة العامة وسلاح الإشارة وقلعة الدروع (المدرعات) وسلاح الذخيرة الشجرة وفرسان تكساس (سلاح المهندسين) في وجه قرامطة العصر الحديث، وكتبوا عن شجاعة وإقدام وبسالة عقارب كدراوية (سلاح الذخيرة الكدرو)؛ وكتبوا عن جرأة وفراسة أسود حطَّاب. كتبوا كذلك عن الصمود الأسطوري لفاشر السلطان (أداب العاصي وشنب الأسد)، التي تعرضت لقرابة المائتي هجوم وصمدت حتى تحولت إلى مقبرة للغزاة الأوباش، وكتبوا عن صمود حامية سنار والفرقة (22 بابنوسة).. إخوان اللواء الفارس معاوية والعميد البطل حسن درموت الذين أذاقوا المتمردين الويل، لكن قليلين تطرقوا إلى الصمود الأسطوري الذي أظهره معسكر سلاح المهندسين العيلفون، بقيادة قائده الفارس البطل سعادة العميد الركن أمير إبراهيم سعيد، وهو صمود باذخٌ وفريد، سيخلده التاريخ، ويستحق أن تُكتب تفاصيله بماء الذهب، وأن يُدرَّس في أكبر الأكاديميات العسكرية في العالم أجمع.
قوة صغيرة، قليلة العدد، محدودة التسليح، تتبع لسلاح المهندسين كانت موجودة في معسكر صغير المساحة في مدينة العيلفون؛ استطاعت أن تصمد في وجه حصار طويل وغاشم وهجمات متتالية وقصف عنيف استمر أكثر من عام.
حُوصرت تلك القوة وقُصفت وجُوِّعت ومع ذلك صمدت وتحملت وقاتلت قتال الأبطال، بل نجحت في مهاجمة المتمردين بعمليات خاصة متقنة، حتى تم فك الحصار عنها اليوم بالتحامها مع قوات الجيش وهيئة العمليات ودرع السودان وسهل البطانة والمستنفرين في مساءٍ أغر سالت فيه دموع الرجال وزغردت فيه الحرائر وتسافر فيه الأطفال فرحاً وحبوراً وشكراً للمولى عز وجل.
ما لا يعرفه كثيرون أن الضابط العظيم، ابن مدينة العيلفون، سعادة العميد الركن الفارس الشجاع أمير قائد معسكر العيلفون لزم جنوده ورفض أن يخرج من المعسكر حتى لإنقاذ أسرته الصغيرة، واكتفى بإرسال أحد جنوده لهم بعد أن اجتاح الأوباش العيلفون ونكلوا بأهلها.
وظف الأمير الفارس كل خبراته العسكرية والإدارية لتنظيم القوة المحدودة، وتجهيز دفاعاتها بمعية زملائه ضباط وضباط صف وجنود المعسكر، ونجح في قفل كل الطرق المؤدية إلى المعسكر، ثم حوَّله لاحقاً إلى أرضٍ للقتل، كلما هاجمه الجنجويد، فأباد منهم الآلاف، ونجح في طردهم من المدينة لاحقاً، ثم توسع في دفاعاته وأذاق الأوباش الويل بعمليات خاصة، حتى هربوا خارج العيلفون.
على هامش المعارك أدار سعادة العميد الأمير معركةً أخرى بالغة القسوة والشراسة، استهدف بها توظيف الموارد المحدودة للذخيرة والطعام والأدوية، كي يمكن جنوده من مواصلة الصمود، وسجّل نجاحاً تسير بذكره الرُكبان.
اليوم يحق لسعادة العميد البطل أمير وفرسانه أن يحتفلوا بنصرهم المؤزر، ويحق لنا أن نحتفل معهم، وأن نحملهم على رتاج القلب أو صدر الغمامة، ونرسم له لوحات الحب والولاء والتقدير بكل ألوان العلم، بعد أن قهروا الحصار واستعادوا العيلفون الجميلة وغسلوا وجهها الوضاء من درن الأوباش.
التحية لأسود العيلفون الذين سطروا ملاحم للمجد، وأصبحوا عنواناً للشجاعة والبسالة والصمود، والمحبة وكامل التقدير لقائدهم البطل وضباطه الفرسان وجنوده الفدائيين الذين كانوا عند حسن قائدهم بهم، وقبل ذلك عند حسن ظن كل أهل السودان الذين احتفلوا اليوم بعودة العيلفون الأبية (أرض التقابة والسجادة والقرآن) لحضن الوطن الغالي.. والله أكبر ولا نامت عيون الجنجويد.